الموضوعات التي قدمها الحزب الشيوعي المصري وشارك بها في الحوار الوطني وورش الحركة المدنية الديمقراطية في أكثر القضايا التي تشغل اهتمام شعبنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوية والثقافة الوطنية المصرية
التحديات وسبل المواجهة
أـد / صلاح السروى
عضو المكتب السياسى بالحزب الشيوعى المصرى
يمكن فهم "الهوية" باعتبارها معطى ثقافيا مجتمعيا، يمثل مجموعة من المكونات الفكرية - العقائدية والسلوكية التى تميز جماعة بشرية (أمة) محددة، وتمثل هذه المكونات العنصر الحاكم والضابط لمنظومات القيم والأخلاقيات والمفاهيم الكلية المستقرة والراسخة فى نفوس وعقول أبناء هذه الجماعة. وما ينتج عن هذه المنظومات من أنماط سلوكية وممارسات يومية وعادات وتقاليد .. الخ.
وعلى ذلك، فالهوية هى العنصر المائز، الناتج عن مجموع المكونات الثقافية للجماعة البشرية، والتى تجعل من هذه الجماعة "أمة"، وليست مجرد مجموعة من الأفراد المتباعدين والمختلفين.
و تتشكل هذه الهوية طبقا لدرجة الانصهار الاجتماعى والخبرة التاريخية والوعى الثقافى المستقر والحاكم لدى هذه الجماعة. ف"الهوية"، من ناحية أخرى، تعد معطى تاريخيا، (الى جانب كونه معطى اجتماعيا)، تم تشكله، ويتواصل هذا التشكل، الى ما لا نهاية.
ومن هنا يمكن تلخيص مفهوم "الهوية" فى "الثقافة الوطنية"، أو مجموع المكونات الثقافية السائدة لدى الجماعة "الأمة"، فى زمان ومكان محددين.
ولقد كانت الثقافة على الدوام عنصر دمج والتحام وتوحيد بين أبناء الجماعة بمختلف مشاربهم ومناطقهم ومجالات عملهم .. الخ. وعلى ذلك لا يمكن القول بوجود ثقافة تمتلك أفضلية على ثقافة أو ثقافات أخرى، لأن جميع الثقافات بدون استثناء تخلقت وتواجدت، عبر التاريخ، نتيجة لمعطيات وتلبية لمتطلبات واستجابة لتحديات عاشتها الجماعة، عبر أحقاب تاريخية طويلة.
ولكن يمكن القول أيضا بوجود ثقافة منفتحة (نسبيا) وأخرى مغلقة، بحسب درجة "القداسة" و "الدنيوية" التى تتشكل منها هذه الثقافة، أو تلك. والفارق بين ثقافة دافعة نحو التقدم وأخرى كابحة عنه، هو قابلية هذه الثقافة, أو تلك, للنقد والمساءلة من عدمه. أى قابليتها لمفهوم "التاريخية" الذى تشكلت بمقتضاه. من حيث أن هذه الثقافة المعنية تحتوى فى داخلها على مرونة تسمح بعمليات التجاوز والتحول والتشكل التاريخية المشار اليها|، أم تتعامل مع ما تحصل لديها من تجارب الماضى وما ورثته عن الأقدمين، باعتباره مقدسا لايجوز المساس به.
وعلى ذلك, تصبح الطريقة المثلى للحفاظ على الهوية هى امتلاك القدرة على نقدها وتجاوزها والتحرر من تابوهاتها باتجاه التحام أوثق بمعطيات العصر والزمان واسهام أنشط فى فعالياته. وبالمقابل يصبح التمسك المتبتل بالماضى, بصرف النظر عن الصلاحية المجردة لمكوناته, مدخلا للفناء وحكما بالبقاء خارج التاريخ.
ان محتوى الهوية متغير ومتحول, اذن, وبشهادة التاريخ والجغرافيا. لكن تحولها مشروط (الى جانب العوامل التى تطرحها التحولات الاجتماعية العاصفة) بقابلية مكونات هذا المحتوى لذلك التحول, من حيث امتلاكه لآلية استيعاب المستجدات وهضمها والتفاعل معها. وهو ما يضمن – فى رأيى – امكانية استمرار هذه الثقافة ويحدد قدراتها على البقاء. وغياب هذه الآلية هو المسئول – فى جزئه الأكبر - عن اندثار كثير من الثقافات وانقراضها ومعها شعوبها, ويصبح مكانها الوحيد المناسب هو المتاحف.
من هنا يمكننا أن نفهم طبيعة تحول الثقافة المصرية والهوية المصرية عبر التاريخ , منذ العصر الفرعوني حتى الآن, بما فى ذلك العصور الهللينية والرومانية, ثم العربية – الاسلامية, وصولا الى التحولات التى ألمت بالشخصية المصرية والهوية الوطنية المصرية طوال القرون الخمسة عشر الماضية. والأمر لايختلف عند غيرها من الثقافات.
كما أن هذه الثقافة وتلك الهوية تمثلان كيانا متعددا، أى كيانا يمتلك مستويات متنوعة ومتعددة تنتظم تبايناته، يمكن تسميتها بالهويات الثقافية (الصغرى). سواء، تأسست تلك الهويات على أسس اجتماعية – طبقية، من قبيل المستويات المعيشية والانتماءات الطبقية، وما يرتبط بها من مستويات تعليمية وثقافية ومهنية مختلفة، أم على أسس جغرافية، من قبيل البيئات الطبيعية ( بادية، ريف، حضر، ساحل، داخل .. الخ)، أم على أسس طائفية ومذهبية..وعلى ذلك، يمكننا القول بأن ثقافة العمال وفقراء المدن ومفهوم الهوية لديهم قد يختلف, على نحو أو آخر عن ثقافة الفلاحين، أو البدو، أو الشرائح العليا من الطبقة البرجوازية ..الخ. على الرغم من أنهم جميعا يشتركون فى اطار ناظم أكثر عمومية وشمولية يمثل الهوية الثقافية الوطنية الجامعة (الكبرى). وتتجلى خطورة هذه الهويات (الصغرى)، وبخاصة الهويتان: الدينية (الطائفية) والعرقية، فهما الأشهر والأخطر والأكثر تهديدا، فى حال تطورهما الى هوية ثقافية (كبرى) لدى المنتمين اليهما، بحيث تحل الواحدة منهما محل الهوية الوطنية الكبرى وتصبح بديلا عنها ولاغية لها.
التحديات التى تواجه الهوية الوطنية:
لا شك أن الهوية الوطنية المصرية الجامعة تمتلك من القوة والمتانة ما جعلها قادرة على مجابهة الكثير من التحديات على مدار التاريخ. فمصر من الدول القليلة التى حافظت على استمراريتها وثقافتها فى مواجهة كل ألوان الغزو الخارجى، بل ان الغزاة كثيرا ما كانوا يتمصرون ويتمسحون فى الثقافة المصرية. مثلما حدث مع الهكسوس والبطالمة اليونانيين. ومن لم يتمصر من الغزاة لم يستطع أن يحول المصريين عن هويتهم. فلم تصبح مصر تركية ولم يمح هويتها الاستعمار الانجليزي.
بيد أن مصر تواجه فى الفترات الراهنة عدة تحديات كبرى تكاد تعصف بكيان الأمة المصرية وتهدد تماسكها ووحدتها وتطورها، فى آن معا.
ويمكن تقسيم هذه التحديات الى عنصرين رئيسيين:
الأول: تحديات داخلية
الثانى: تحديات خارجية.
أولا: التحديات الداخلية:
فهى تلك المتمثلة فى استشراء "الأصولية" فى التفكير الشعبى المصرى. وأقصد بها (أى الأصولية) تلك الاتجاهات الفكرية التى تأسست على نوع من التصورات التى تقدس معطى معرفيا - وجوديا معينا، بمعزل عن الشروط التاريخية الشاملة التى أنتجته، فتتصوره على نحو يقوم على الثبات والاطلاقية، متخطيا لحدود الزمان والمكان. ويندرج فى اطارها كل الأصوليات التى تشكل "الهويات الصغرى"، السابق الاشارة اليها. سواء أكانت أصوليات عرقية، أم دينية (طائفية) .. وأخطرها وأكثرها تهديدا هو الأصولية الدينية. وهى تلك التى نتجت عنها كل الاتجاهات الارهابية وجماعات الاسلام السياسى بألوانها المختلفة.
ان هذه الجماعات الحاملة للتصور الأصولى هو المسؤل عن استشراء الرؤى المتعصبة غير النقدية, القائمة على التمجيد غير المشروط لمكونات الماضى واعتبارها المكون الأمثل المهدى من قبل قوى علوية اصطفت هذه الثقافة والمنتمين اليها, يستوى فى ذلك من يعتبر نفسه منتميا الى "شعب الله المختار"، ومن تصور أن "الأقدار" قد اختارته ليقود "الأمة الألمانية" الى تحقيق السمو والسيطرة على باقى البشر الذين هم أقل, عنده, فى الدرجة والقيمة, من أن يستحقوا الحياة. وهو المسؤل, كذلك, عن ايقاظ الثارات الطائفية والقومية التى مرت عليها مئات وآلاف السنين, ليدخل بلدانا مثل لبنان ويوجوسلافيا والسودان والعراق وطاجيكستان .. الخ, فى حروب أهلية طاحنة يسقط فيها مئات الآلاف من الأبرياء. وهو المسؤل أيضا عن ظهور الحركات الدينية المتعصبة التى لاتأبه بقتل المارة, وتطبق, بدم بارد, فقه "التترس" بعابرى السبيل الذين ساقهم حظهم العاثر فى طريقها.
وهذا التصور الأصولى نفسه يقتضى، كذلك، أن تكون الثقافة الوطنية، ومن ثم الهوية الوطنية, مقتصرتين على ما يعرف ب .. "ثوابت الأمة" التى لايجوز المساس بها, وكأن هذه الثقافة تمثل كلا مصمتا خاليا من التفاصيل, مطلق الكمال والحضور عبر الأزمان. بذريعة ارتكازها على مسلمات مقدسة," كالدين" وما ارتبط به من أنساق قيمية وروحية.
ويمكن تلخيص ما تنطوى عليه الأصولية الدينية من خطورة فى ما ترتكز عليه من تصور شمولى تنميطى منغلق ومعاد، على نحو تحريمى، لكل مفاهيم التعدد والحرية والعصرية والتقدم والحضارة. وهو ما يمثل التهديد الأخطر الذى يمكنه أن يعرض وحدة وأمن ومستقبل البلاد للخطر. ولقد خبرنا ذلك على جلودنا ورأيناه بأم أعيننا، منذ سنوات التسعينيات وربما حتى الآن.
ولا أريد أن أناقش العوامل التى أفضت الى انتاج التحدى الذى يمثله خطر الأصولية و"الاسلام السياسى" ، فهى كثيرة ومتشعبة، ولكن أبرز ما يمكن ملاحظته فى هذا المشهد هو احتضان قوى الامبريالية العالمية وبعض البلدان الرجعية لهذه القوى وايواء عناصرها ودعمها بالمال والسلاح. وهو الأمر الذى يلخص القضية برمتها. وفى الآن نفسه فاننى لا أستبعد عامل الظروف الداخلية (المتمثلة فى اهمال التعليم والثقافة المدنية المرتكزة على قيم الوطنية المصرية، وفوق كل ذلك التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية نحو اليمين التى بدأت منذ حقبة السبعينيات، حتى الآن).
ثانيا: التحديات الخارجية:
فهى تلك المتمثلة فى ظاهرة "العولمة"، التى نتجت عن ثورة الاتصالات والمعلومات، بما أدى الى تقارب أصقاع العالم وأن يصبح بمثابة "قرية كونية صغيرة"، (كما درج وشاع من وصف). فلقد دشنت هذه العولمة ما عرف ب"عصر السماوات المفتوحة". حيث أخذ العالم "غير الغربى"، المتمثل فى بلدان العالم الثالث، وحتى بعض بلدان أوربا، يواجه مخاطر متعددة على كافة الأصعدة – السياسية والاقتصادية والثقافية .. الخ. ويمكن أن يكون من أبرز هذه المخاطر، على الصعيد الثقافى، ما يسمى ب"خطر التنميط", المتمثل فى محاولات الالحاق الثقافى بالمركز الغربى، وذلك عن طريق مايسمى ب.. "التحويل عبر القومى للثقافة". بما يعنى خلق مرتكزات ثقافية (عالمية) المظهر، غربية المنطلق، تدعم "الامبريالية"، وتبرر نظامها القائم على غطرسة القوة وشهوة الهيمنة. عن طريق الترويج لفكرة "صدام الحضارات"، ومحاولة ازاحة الحضارات التقليدية والقديمة، لصالح حضارة الغرب. باعتبار أن هذه الحضارة انما هى حضارة العالم المتحضر و(المعولم). بل ان هناك أصواتا قد بدأت تعلو نبرتها فى مسعى واضح، لا لبس فيه لمهاجمة ونقد فكرة الهوية والثقافة الوطنية، على نحو مباشر (فى بعض التأويلات)، والتأكيد على فكرة ما يسمى ب.. "أوهام الهوية" وأن الهويات انما هى .. "هويات قاتلة". ومن المثير أن تظهر هذه الدعوات فى الوقت ذاته الذى يتم فيه العمل بدأب شديد, من قبل ذات الدوائر, على احياء "الهويات الصغرى" و"الأصوليات" الدينية والعرقية. وهو ما جربنا بعضا من نتائجه فى تفتيت يوجوسلافيا والاتحاد السوفيتى والسابق وعلى نحو معين فى العراق والسودان .. الخ. بما يصب فى النهاية فى فكرة "تفتيت العالم". وهى الفكرة التى تفضى بالضرورة الى فكرة "تأليه" الغرب، والتى قد لاتعنى بالضرورة انتماء واعيا مباشرا لبنياته الحضارية وأشكاله الثقافية، انما تعنى بالأساس أن تصبح بلدان العالم فى وضع لا يسمح الا بالامتثال لسلطته المذلة بوحشيتها وغطرستها واستغلالها، واعتبار هذا الامتثال من طبائع الأمور. وأن لا امكانية للفكاك منه. وبما يعنى، كذلك، اعتبار الرموز الحضارية وأنماط الحياة الغربية انما تمثل "روح العصر" ولايمكن الحياة بدونها.
سبل المواجهة:
أولا : فى مواجهة التحديات الداخلية:
1- لا بد من تفعيل مفهوم "المواطنة المصرية" واسباغ سلطة وقانون الدولة على كل ربوع الوطن وعلى كل أفراده وجماعاته دون استثناء.
2- لا بد من خوض معركة فكرية وثقافية شاملة مع مفاهيم الأصولية والتعصب والعنصرية، والعمل على تسييد قيم التسامح والحرية والمساواة. والنظر بعين الاعتبار الى أهمية الثقافة والتعليم والاعلام والتعامل مع هذه المجالات باعتبارها أدوات رئيسية لبناء الأفكار القائمة على الولاء للوطن واحترام العلم والاعلاء من شأن العقل.
3- القضاء على تعددية التعليم ما قبل الجامعى ، فلا ينبى أن يكون لدينا تعليم أزهرى وآخر كنسى وثالث انجليزى أو ألمانى. وأن يصبح كله تعليما وطنيا موحدا. حتى نحصل على شعب موحد وأمة موحدة.
4- ضرورة العمل على قيام مشروع وطنى شامل، عماده التصنيع والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطنى والفكرى.
ثانيا: فى مواجهة التحديات الخارجية:
1- لا يد من النظر الى العولمة على أنها ليست خيارا بين متعدد، فحقائق الواقع المعاصر تؤكد أن لا سبيل الى تجاوز العولمة، وتحتم الانخراط فيها شئنا ذلك أم أبيناه.
2- لاسبيل لمواجهة التحديات الثقافية المصرية التى يمليها واقع العولمة الا بتحرير الثقافة الوطنية من الجمود والتقليد، وتطويرها باعتبار أن التعبير عن القوة الحقيقية للثقافة الوطنية انما يكمن فى وصولها الى مستوى القدرة على "التفاعل الندى" الواثق مع نواتج الثقافة العالمية.
3- ولكى تصل ثقافتنا الوطنية الى هذه القدرة فلا بد لها أن تتسلح بملكتى : "النقد" و"الابداع". وهما الملكتان الوحيدتان القادرتان، فى حال تواجدهما على نحو حقيقى، على تحقيق التفاعل الآمن مع "الآخر" . فلا يمكن أن نكون فى مأمن من الاستلاب والالحاق ما لم يكن لدينا ما نقدمه لأجيالنا وللعالم من منتج ثقافى متطور وانسانى وراق.
4- ومن هنا لابد من النظر الى الثقافة والتعليم والاعلام، مرة أخرى، على أنها قضايا تمس وجودنا الحضارى وترسخ قوتنا الناعمة التى لاتقل فى أهميتها عن القوة الاقتصادية والعسكرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغذاء والأمن القومي والتنمية وصحة المواطنين
ــــــــــــ حسن بدوي - عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المصري
من المؤكد أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ضروري لتعزيز الأمن القومي، ولتعزيز التنمية، ولضمان حصول كافة المواطنين، خاصة أصحاب الأجور والمعاشات ومجمل الطبقات الكادحة ومن هم دون خط الفقر، على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء ليكونوا في حالة صحية تمكنهم من العمل والإنتاج، البدني والذهني، ومن القدرة على التعلم وتنمية المهارات، بل والقدرة على الإبداع.
ومن المؤكد أيضاً، وفقاً لما تملكه مصر من ثروات طبيعية وأجواء معتدلة ومسطحات مائية شاسعة وقدرات بشرية وخبرات تمتد لآلاف السنين، فإنها قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، إذا تبنت سياسات مختلفة للزراعة وتربية المواشي والدواجن والصيد، سنعرض لملامحها لاحقاً، وإذا وضعت أساليب سليمة لترشيد استخدام المياه، وإذا حافظت على حقزقها في مياه النيل.
الغذاء والأمن القومي:
من المعروف أن الغذاء والدواء والسلاح والمياه أربعة مجالات تستخدمها الدول الرأسمالية المتقدمة للهيمنة على مقدرات وقرارات الدول النامية والفقيرة ونهب ثرواتها، وضمان دورانها في حلقة الديون والاستيراد والاستهلاك ومن ثم التبعية لها. وكما هو معروف في أوساط الفلاحين "اللي أكله من فاسه قراره من راسه"، وفي أوساط المثقفين والسياسيين والأكاديميين "من لا يملك قوته لا يملك قراره ولا حريته".
ولهذا فإنه كلما تقدم المجتمع، أي مجتمع، في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لمواطنيه، بتطوير قدراته الإنتاجية، كلما قل اعتماده على الخارج، وبالتالي صار أكثر تحرراً من الضغوط الخارجية، وغير مضطر للاستدانة والاقتراض والاستيراد للغذاء، وصار أيضاً أكثر قدرة على تجنب الآثار السلبية للكوارث الطارئة (مثل وباء كورونا) أو للحروب بين البلدان المصدرة للغذاء (الحرب الروسية الأوكرانية مثلاً).
ويعتمد توفير الغذاء على ثلاثة مجالات رئيسية، هي الزراعة، وتربية المواشي والدواجن، وصيد الأسماك.
وبالرغم من الأهمية الاستراتيجية لقطاع الزراعة، فقد تم إهماله من قبل الحكومات المتعاقبة منذ منصف السبعينات، تنفيذاً لسياسة تحرير الاقتصاد، وانسحاب الدولة من مجالي الإنتاج والخدمات، وتركهما لرأس المال المحلي والعربي والأجنبي، الذي ساهم في استقطاع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لإقامة مراكز تسوق ضخمة عليها ومنتجعات وقرى سياحية وصالات أفراح ومتاجر وخلافه، مما فتح الباب عملياً لتمدد وانتشار قوى معادية للدولة الوطنية وبعض الدول المعادية لمصر.
الغذاء والتنمية وصحة المواطنين:
لقد أدت هذه السياسة إلى سلبيات ضخمة، فعلى سبيل المثال تراجع إنتاج المحاصيل الاستراتيجية كالقطن والذرة الشامية والفول والمحاصيل الزيتية، ليصل الاكتفاء الذاتي من القمح الآن إلى 47.7%، حيث ننتج 10 ملايين أردب بينما يحتاج السوق المحلي إلى 18 مليوناً، وبلغ الاكتفاء الذاتي من الذرة الشامية 56.3% ومن الفول 20% فقط.
الغذاء والتنمية:
ولا شك أن التقدم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لن يتم إلا في إطار سياسة تنموية تعتمد بالدرجة الأولى على تعظيم دور الإنتاج في الاقتصاد الكلي، وفي كافة المجالات ومن بينها الزراعة والصيد ومزارع الدواجن والماشية، وكلما حدث تقدم في إنتاج الغذاء كلما قل الإنفاق على استيراد المواد الغذائية وأصبحت السلع الغذائية متاحة بأسعار أقل غير محملة بتكاليف الاستيراد.
كما أن إنتاج احتياجاتنا المحلية من الغذاء، ووصوله بأسعار في متناول أصحاب الأجور والمعاشات والطبقات الكادحة، ومن هم تحت خط الفقر الذين يبلغون ثلث السكان (نحو 35 مليون مواطن) ضروري لضمان النمو الصحي والعقلي السليم للأطفال والنشئ والحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، مما يعزز قدراتهم على الإنتاج والتعلم وتطوير المهارات، بل والإبداع.
وقد تسببت السياسات المطبقة منذ السبعينات في تراكم المعوقات أمام تطور القطاع الزراعي كقطاع إنتاجي استراتيجي، فضلاً عن عدم الاستفادة من المسطحات المائية الشاسعة (بحرين ونهر وبحيرات) في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك ووصولها بأسعار معقولة للطبقات الكادحة، بل وتصدير الفائض منها، وأيضاً عدم الاستفادة المثلى بمزارع الدواجن وتربية المواشي ومنتجات الألبان.
ومن أهم المعوقات أمام تطور الإنتاج الزراعي:
1- ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج من أسمدة (خاصة مع التوسع في استيرادها وتحجيم إنتاجها محلياً) وتقاوي ومبيدات، مقابل أسعار هزيلة للمحاصيل مما دفع الكثيرين من الفلاحين لهجر الزراعة والاشتغال بأعمال أخرى، بل واستخدم بعضهم مساحات من الأراضي في مشاريع تجارية واستثمارية كصالات الأفراح والمتاجر وغيرها.
2- وزاد من العبء على الفلاحين أيضاً تحول البنك الزراعي من بنك تسليف داعم للفلاح لوجستياً ومالياً بقروض ميسرة إلى بنك ائتمان ربحي يقوم بأبشع أدوار المرابي تجاه الفلاح.
3- إفساد وفساد الحركة التعاونية الفلاحية، التي كان من الممكن أن تلعب دوراً مهماً في تنمية الإنتاج الزراعي في المساحات المفتتة والصغيرة، حيث يبلغ عدد الحائزين لأقل من فدان نحو 3.4 مليون مزارع بنسبة 70% من أصحاب الحيازات الزراعية، بمساعدتهم على 0استخدام وسائل الري بالرش والتنقيط بدلاً من الغمر ترشيداً لاستخدام المياه في مجموعة من الحيازات المتجاورة وبمساعدة الفلاحين على الإنتاج والتسويق.
4- إلغاء الدورة الزراعية وانسحاب الدولة من مجال الزراعة دفع الفلاحين مع أعباء الزراعة الثقيلة عليهم إلى أنشطة أخرى، أو زراعة الخضروات بدلاً من المحاصيل الاستراتيجية المكلفة وبلا عائد مجز، فيما اتجه أصحاب الحيازات الكبيرة لمحاصيل التصدير.
5- أدى انسحاب الدولة أيضاً وفساد التعاونيات إلى غياب الإرشاد الزراعي، الذي كان يفيد الفلاح في تحديد المقننات المائية والسمادية المناسبة لكل محصول.
الحلول لتطوير الإنتاج الزراعي:
مما سبق يتضح أن تطوير الإنتاج الزراعي ممكن إذا تم تطبيق سياسة مغايرة أهم ملامحها:
1- تطبيق الدورة الزراعية مما يساعد على ارتفاع خصوبة التربة والاستفادة المثلى من المساحة المحصولية.
2- الاهتمام بالمحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة الشامية والفول والقطن والمحاصيل الزيتية مع تحفيز الفلاح على زراعتها.
3- هذا التحفيز وسيلته الرئيسية هي التزام الدولة بشراء المحاصيل بهامش ربح معقول من الفلاح. ومساعدته على التسويق مع استبعاد الوسطاء.
4- دعم الدولة والجمعيات التعاونية لمستلزمات الإنتاج من أسمدة وتقاوي ومبيدات وآلات بدلاً من دعم المزارعين الأجانب بالأموال التي يتم إنفاقها على استيراد الغذاء من الخارج.
5- قيام الجمعيات التعاونية الزراعية بدورها في الإرشاد والمتابعة والتسويق.
6- رجوع البنك الزراعي لدوره الأصلي كبنك تسليف يدعم الفلاح مالياً بقروض ميسرة، وليس كما هو الآن بنك ائتمان ربحي يدعم المستوردين ويمارس دور المرابي على المنتجين.
7- زيادة المحاصيل المناسبة لكل منطقة والاستفادة من الميزة التنافسية والتسويقية لكل محافظة.
8- تعميم الري بالرش والتنقيط عن طريق الدولة والتعاونيات ترشيداً لاستخدام المياه.
9- الاستفادة من مركز البحوث الزراعية ومن التجارب البحثية والرسائل العلمية في التوسع الرأسي واستنباط البذور الأكثر إنتاجية.
10- دعم الخريجين للتوسع الأفقي في الأراضي الصحراوية واستزراعها سواء بالأبار أو المرافق أو التمليك.
والسؤال الآن:
ما هي العناصر الغذائية الرئيسية التي يحتاجها المواطنون؟
وكيف يمكن توفيرها عن طريق إنتاجها محلياً، وعدم الاعتماد على الخارج في توفيرها؟
يحتاج المواطنون إلى الخبز (أي القمح والذرة) والأرز والزيوت (من بذور الذرة والقطن والكتان والزيتون) والبقوليات والنشويات والسكريات والخضروات والفواكه واللحوم والأسماك والألبان ومنتجاتها، وكل هذه العناصر كانت مصر تحقق الاكتفاء الذاتي فيها، كلياً أو بنسبة كبيرة، بل وتصدر العديد من منتجاتها الزراعية بعد تغطية الاحتياجات المحلية، مثل الأرز والفول والبطاطس والخضروات، وغيرها، حتى أنه كان يقال إن مصر كانت تسدد ديون الاتحاد السوفييتي السابق من صادراتها من البطاطس والخضروات له.
وكل هذه العناصر الغذائية يمكن توفيرها في ظل سياسة تنموية تعتمد على الذات أساساً، وبتخطيط شامل، وبكوادر مؤمنة بها، وبالاهتمام بالبحث العلمي، مع الحفاظ على المساحة الزراعية الحالية من التآكل، والتوسع في استصلاح واستزراع الأراضي بخطط ذات جدوى اقتصادية ومرتبطة بسياسة الدولة للتنمية، واستخدام طريقة الري بالتنقيط ترشيداً لاستهلاك المياه، وبالاستخدام الأمثل للمسطحات المائية الشاس9عة المتوفرة في مصر المطلة على بحرين، وبنهر النيل والبحيرات المنتشرة في أراضيها مثل بحيرة ناصر وقارون ووادي الريان وإدكو ومريوط وغيرها، وبالمناخ المعتدل معظم العام.
ومن المؤكد أن الشروع في تنفيذ سياسة تنموية إنتاجية سوف يمكننا ليس فقط من .توفير الغذاء، بل وتصدير بعض المنتجات كالأسماك، وغيرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حـــول التعــليم الجــامعي وكيفية تطويره
باعتباره الركيزة الأساسية لتطوير المجتمع
ورقة عمل مقدمة إلى منتدى الحوار الوطني
دكتور/ حمزة السروي – استاذ الفلسفة بجامعة قناة السويس
تشمل هذه الورقة المحاور الآتية:-
1. رؤية تاريخية للتعليم عموما والتعليم الجامعي خصوصا
2. توصيف التعليم الجامعي في مصر
3. معوقات التعليم الجامعي في مصر
4. الحلول المقترحة للنهوض بالتعليم الجامعي في مصر
وفيما يلي تفصيل ذلك:-
أولا:- رؤية تاريخية:-
مع بداية القرن التاسع عشر، شهدت مصر تغيرات مهمة بدأت بخروج الحملة الفرنسية من مصر 1801 وظهور محمد علي في الحياة السياسية في مصر 1805 وتحالفه مع طبقة البرجوازية التي تكونت من مشايخ الأزهر والعلماء من ناحية وطبقة الحرفيين من ناحية أخرى .
لكن محمد علي سرعان ما انفرد بالسلطة وأقصى الجميع سعيا لتحقيق مكاسب شخصية، إلا أنه في نفس الوقت قدم بعض المكاسب للبلاد في مجالات الزراعة والتصنيع الأمر الذي جعله يهتم بالتعليم، لكنه كان اهتماما محدودا بحدود مصالح حكمه حيث كان يهدف إلى تخريج موظفين لجهاز حكمه، ولا يهدف إلى تخريج مفكرين، وعلماء، وفنانين، وعندما اصطدمت مصالحه بمصالح الدول الأوروبية، كان طبيعيا أن يتخلى عنه الشعب .
ومع الاحتلال البريطاني لمصر 1882 تراجعت الدولة أكثر فأكثر عن بناء المدارس، وأهملت الصناعة وإن تم الاهتمام بالزراعة بقدر ما تتماشى مع مصالح الاحتلال مع إبقائها معتمدة على أدوات بسيطة ووسائل تقليدية0 وإزاء هذا التردي انتصرت الحركة الوطنية المصرية والتي تمثلت هذه المرة في إنشاء الجامعة الأهلية 1908 بجهود ذاتيه على الرغم من محاولة المعتمد البريطاني عرقلة المشروع .
لقد ناضل الشعب المصري بعد ثورة 1919 من أجل التوسع في التعليم وإتاحته بالمجان على مستوى الابتدائي والثانوي ومع مجئ ثورة 1952 امتدت مظلة مجانية التعليم لتشمل التعليم الجامعي سنة 1961 فكان هذا القرار تتويجا لجهود الحركة الوطنية المصرية .
شهدت فترة الانفتاح منذ عام 1974 تراجعا على كافة المستويات، من زراعة وصناعة، ومن بينها بالطبع التعليم، والتعليم الجامعي، حيث ظهرت طبقة اجتماعية جديدة تملك الكثير من الثروة مما ساعد على انتشار التعليم الخاص، والتعليم الأجنبي على حساب التعليم الوطني، ومازال التعليم في مصر يعاني حتى الآن الكثير من السلبيات السابقة وفي أمس الحاجة إلى تدخل الدولة لتدارك تلك السلبيات .
ثانيا:- توصيف التعليم الجامعي:-
يمثل التعليم الجامعي قمة السلم التعليمي، وهو يهدف إلى بناء الإنسان وتكوينه ليصبح القوة الدافعة لتقدم المجتمع وتطوره، وإذا كان التعليم عموما يُمثل مفتاح التنمية، فإن التعليم الجامعي هو الوسيلة المتقدمة لتلك التنميه0 وتتحدد وظيفة التعليم الجامعي في الأمور الآتية:-
• نقل المعرفة (من خلال التدريس والتعليم) .
• تطوير المعرفة (من خلال الدراسات العليا والبحث العلمي) .
• تطبيق المعرفة (من خلال توظيف الأبحاث العلمية لخدمة المجتمع وتنمية البيئة) .
وهي أمور، إن روعيت على النحو الأمثل، لكان لدينا تعليما جامعيا صحيحا يحقق التقدم الذي نرجوه لبلادنا0 ولعل أفضل النظريات في هذا المجال هي ما يُعرف بنظرية رأس المال البشري والتي تعتبر التعليم استثمارا بشريا، هو أفضل وأرقى أشكال الاستثمار، وهي ترجع إلى الاقتصادي الأمريكي شولتز عام 1960 حيث أشار إلى عملية التعليم بإعتبارها استثمارًا لازمًا لتنمية الموارد البشرية، وأنها أعظم الموارد في أي مجتمع على الاطلاق .
ولعل سنغافورة والصين هما المثلين الأبرز في مجال الاهتمام بالتعليم والتعليم الجامعي باعتباره استثمارا بشريا هو الأرقى من بين جميع أنواع الاستثمار . ومصر بالطبع أحوج ما تكون إلى الاستثمار في التعليم عموما والتعليم الجامعي خصوصا .
ثالثا:- معوقات التعليم الجامعي في مصر:-
تتمثل معوقات التعليم الجامعي في مصر في عدة أمور، أهمها:-
1. سيادة منهجية غير علمية لدى الكثير من الطلاب والقيادات في الجامعة، بل وحتى الاستاذة الأكاديميين . يتمثل ذلك في الخلط بين العلم والدين والسياسة جميعا
2. المعوقات الاقتصادية، والتي تتمثل في ارتفاع أسعار الكتب، واسعار المواصلات، وفقر المعامل، وقلة الخامات بها، وفقر المكتبات .
3. غياب الديمقراطية في الحياة الجامعية، سواء في العمل الطلابي أو في المحاضرات أو في تولي المناصب الجامعية0
4. ضعف المستوى العلمي للطلاب والذي يرجع بدوره إلى ضعف التعليم العام .
5. ضعف المستوى العلمي لبعض الأساتذة أنفسهم وانتشار ظاهرة "مكاتب الأبحاث" التي تُجري أبحاثا للدرجات العلمية من ماجستير ودكتوراة أو أبحاث الترقي لدرجة أستاذ مساعد أو أستاذ مقابل أجر .
6. تعدد نظم التعليم في مصر بين تعليم وطني وأجنبي، وبين تعليم مدني وديني، الأمر الذي يؤدي إلى تعدد الولاءات بين أبناء الوطن الواحد ومن ثم يؤدي إلى الفٌرقة .
رابعا: الحلول المقترحة :-
تتعدد الحلول المقترحة للنهوض بالتعليم الجامعي في مصر ولعل أهمها :-
1. تحديث التعليم عموما والجامعي خصوصا والأخذ بالمنهج العلمي والأساليب الحديثة والمتطورة على مستوى القطر، بما يحقق المساواة بين المدن الكبرى والمدن الصغرى، وبين المدينة والريف .
2. إعادة الاعتبار لدور المدرسة ولدور المدرس في التعليم العام باعتباره مقدمة ضرورية لنهضة التعليم الجامعي .
3. الدعم المادي الكافي للمعامل والمكتبات والأنشطة الطلابية والرحلات العلمية .
4. توفير مناخ ديمقراطي داخل الجامعة يتيح حرية التعبير والمساواة بين جميع الطلاب داخل الجامعة0
5. ضرورة تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع المنهج العلمي والأخلاق الإنسانية .
6. العدول عن نظام الامتحانات الحالي الذي يعتمد على الإجابة بتسويد علامة (صح) أو (خطأ) أو اختيار من متعدد . والعودة إلى نظام الكراسة الامتحانية ليتمكن الطالب من كتابة تحليله ورأيه في الموضوع الذي يجيب عنه .
7. ضرورة عودة النشاط السياسي في الجامعة ليتمكن الطلاب من التدريب على التفكير والممارسة فيما يتعلق بشئون بلادهم .
8. توحيد أنواع التعليم في إطار تعليم مدني حكومي أو على الأقل تقرير مواد مشتركة بين كافة أنواع التعليم مثل مواد:- التاريخ الوطني، والجغرافيا الوطنية، والأدب الوطني، لتكون قاسما مشتركا بين أبناء الوطن الواحد . بما يضمن حد أدنى من الولاء المشترك بين أبناء الوطن .
9. دعم قضية التأليف والترجمة والنشر وتوفير المخصصات المالية الكافية لتطوير هذه القضية من خفض لأسعار الورق وأدوات الطباعة ومكافآت التأليف وما شابه .
10. ربط قبول الطلاب بالجامعات بحاجة المجتمع إلى التخصصات المطلوبة . مع الحفاظ على مجانية التعليم باعتبارها ضمانة لتحقيق المساواة الاجتماعية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءة نقدية في وثيقة سياسة ملكية الدولة
ـــــ يوسف شوقي .. عضو مكتب الشباب بالحزب الشيوعي المصري
فى افطار العائلة المصرية فى رمضان 2022 وجه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى بعقد مؤتمر صحفى عالمى يناقش الإجراءات التى ستتخذها الدولة لمواجهة الازمة الروسية - الاوكرانية، واعلن عن خطة جديدة لإشراك القطاع الخاص فى الاصول المملوكة للدولة حيث ستتم المشاركة بواقع 10 مليار دولار سنويا لمدة 4 سنوات. ولم تمر بضعة اسابيع حتى عُقد المؤتمر الصحفى برئاسة د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء حيث تمت مناقشة عواقب الازمة الاقتصادية العالمية على مصر والعالم وان الحكومة تنوى التفاوض مع صندوق النقد الدولى على قرض جديد لمواجهة الازمة، وتم الاعلان عن ضم أكبر سبعة موانئ فى مصر تحت مظلة شركة قابضة وسيتم طرح الشركة فى البورصة والسماح للقطاع الخاص بشراء اسهم فيها وادخال اعضاء في مجلس ادارتها، واخيرا تم الاعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة وسُميت "الدستور الاقتصادى الجديد" حيث سيعاد رسم خريطة الاستثمار فى المجالات المختلفة بشكل يُمكِن القطاع الخاص من الدخول فى كافة القطاعات الانتاجية لتصنيع مختلف السلع والقطاعات الخدمية كالصحة والتعليم، حيث ترى الحكومة الحالية ان ذلك سيعود بالنفع على الاقتصاد المصرى والمجتمع منعكسا على ارتفاع معدلات النمو من 7% الى 9% وخلق سوق تنافسى يجذب الاستثمار الاجنبى وتحسين ادارة الدولة لأصولها، اخذة بتوصيات المؤسسات الدولية كمؤسسة التعاون والتنمية OECD والبنك الدولى.
ويمكن ان نرى الوثيقة فى ضوء السياسة التنموية التى تنتهجها الحكومة متمثلة فى الاعتماد على الاقتراض من صندوق النقد الدولى والذى لديه شروط للاقراض من اهمها: الخصخصة واشراك القطاع الخاص فى ادارة اصول الدولة وتخفيض نفقات الحكومة على الخدمات الاجتماعية من خلال الاجراءات التقشفية وفتح الباب امام الاستثمار الاجنبى.
فى هذه القراءة سنعرض ملخصا لما جاء فى الوثيقة ثم سنبين عما تحتويه من عواقب على الاقتصاد والانسان المصرى وفى النهاية سنطرح رؤيتنا لتحسين سياسة ملكية الدولة.
عرض موجز للوثيقة
تبدأ الوثيقة بالحديث عن رغبة الحكومة فى اجراء اصلاحات شاملة لاعادة تعيين ملكية الدولة بدأً ببرنامج الاصلاح الاقتصادى فى 2016 والكثير من الاجراءات التى حازت ثناء المؤسسات الدولية كتعديلات قانون 185 لعام 2020 والذى حدد اليات نقل ملكية الدولة للقطاع الخاص، وتعديل قانون 203 لتعزيز الشفافية وتصفية اصول الدولة (الخاسرة؟) وبدأ طرح شركات القوات المسلحة فى البورصة واخيرا اطلاق البرنامج الوطنى للاصلاحات الهيكلية فى 2021 والذى عول على القطاع الخاص فى توليد النمو والتنمية الاقتصادية.
وبعد تحديد اهداف الوثيقة ومنهجيتها تم تحديد ثلاثة توجهات لملكية الدولة وهم:
1. تخارج خلال 3 سنوات: حيث ستترك الدولة تلك القطاعات للقطاع الخاص بشكل تام فى الفترة القادمة.
2. استمرار تواجد الدولة مع التثبيت او التخفيض: اى ان الدولة ستنسحب نسبيا من تلك القطاعات لصالح القطاع الخاص مع الحفاظ على حد ادنى لملكيتها.
3. استمرار تواجد الدولة مع التثبيت او الزيادة: وهى قطاعات من المفترض ان الدولة ستزيد استثمارها فيها ولكنها ستسمح للقطاع الخاص بالدخول فيها ايضا.
بالنسبة للتوجه الاول (تخارج خلال ثلاث سنوات) فشمل تجارة التجزئة والانشطة الزراعية (عدا زراعة القمح) وانتاج مياه الشرب وانشاء الموانىء وتشييد العقارات مع استمرار الدولة فى بناء الاسكان تحت المتوسط. وبالنسبة لقطاع الصناعة فان الدولة تنوى ان تخرج من معظم الصناعات وخصوصا صناعة الالكترونيات والالات.
وبالنسبة للتوجه الثانى (استمرار مع تخفيض) فيشمل قطاع ادارة وتشغيل وصيانة مترو الانفاق والتعليم ما قبل الابتدائى ومجال تجميع مياه الصرف ومعالجتها ومحطات رفع المياه ومجال التعدين وقطاع الكهرباء وخدمات الانترنت، ومجال الطاقة الجديدة وتشكيل المعادن.
وأخيرا التوجه الثالث (استمرار مع زيادة) فيشمل باقى قطاعات التعليم وتشييد البنية التحتية لقطاع النقل وقطاع قناة السويس وانشطة المعلومات وقطاع الصحة وقطاع انتاج الدواء وصناعة السفن.
وبعد ذلك تطرقت الوثيقة الى صندوق مصر السيادى ودوره فى تعزيز القطاع الخاص وزيادة الاستثمار الاجنبى. ثم الى موضوع التحول الرقمى وزيادة الكفاءة والثورة الصناعية الرابعة واشتراك القطاعين العام والخاص فى استثمارات الذكاء الاصطناعى والصناعات الدفاعية الذكية. وفى النهاية تم اختتام الوثيقة باقرار شروط تواجد الدولة فى النشاط الاقتصادى ثم القوانين المنفذة لتلك الشروط واخيرا وضع خريطة لتقسيم الاقتصاد بين القطاع الخاص والعام.
تعليق نقدي علي الوثيقة
فى البداية يجب القول ان الدولة قد عجلت من اصدار الوثيقة بدون قياس حقيقى لرؤية الشعب عن الازمة وطرح حلول لها فى ضوء قدرة الشعب المصرى على التحمل وخصوصا ان الوضع الاقتصادى منذ 2016 يزداد صعوبة بالنسبة الى اسر الطبقات الشعبية فى مصر. ان ذلك القياس كان من السهل القيام به اذا تم تأجيل الورقة لمدة شهر واحد فقط حتى يتم عقد اول جلسة من جلسات الحوار الوطنى فى 5 يوليو، ولكن الحكومة قررت الانفراد بالرأى وصياغة "دستور اقتصادى جديد" بدون مشاركة الشعب. بهذا يمكن ان يتحول الحوار الوطنى الى مجرد حوار يهدف الى تحقيق اصلاحات سياسية فقط بدون التطرق الى الاقتصاد ومشاكله وكأن القوى الشعبية ليس لها الحق فى مناقشة الامور الاقتصادية.
وبغض النظر عن محتوى الوثيقة ذاته فان الدافع لاطلاقها لم ينبع من رغبة شعبية او من رؤية الدولة او خطتها الوطنية النابعة من فهمها للوضع المصرى بل فى الاغلب نبع من رؤية المؤسسات الاقتصادية الدولية حيث كثرت الاشارة الى تلك المؤسسات فى الوثيقة وكأنها مؤسسات تكنوقراطية محايدة تقدم خططا وحلولا علمية للمشاكل وكأنها مكتب استشارات. ولكن فى الواقع تلك المؤسسات ليست محايدة عموما بل هى تمثل مصالح رأس المال الاحتكارى العالمى (متعدد الجنسيات) او كما يقال ال 1% وكما نعلم ففى الاغلب تتعارض مصالح رأس المال الاحتكارى مع مصالح الطبقات الشعبية فى العالم الثالث وايضا مع مصالح الرأسمالية الوطنية، واتضح ذلك فى كثير من بلدان العالم الثالث التى اتبعت نصائح وارشادات تلك المؤسسات حيث تعرضت فى النهاية لأزمات اقتصادية تولد عنها عدم استقرار اجتماعى.
انها كالطبيب الفاشل الذى يصف نفس "الروشتة" لكل المرضى؛ حيث ان تلك المؤسسات منذ السبعينيات وحتى الان تقدم حزمة القرارات المتمثلة فى الخصخصة والانفتاح الاقتصادى كونهما الحل الناجع لكل مشكلات العالم الثالث.
ولكن من المنطقى ان يكون لكل بلد مشكلاته الخاصة النابعة من مسيرة تطوره التاريخية ولذلك من البديهى ان يختلف علاج تلك المشكلات. لذلك كان من الافضل انطلاق الوثيقة من رؤية المصريين لطبيعة مشكلاتهم وكيف يساهم اعادة تعيين الملكية فى حلها؛ فكثيرا من الرؤى التم تم طرحها فى الوثيقة هى رؤى نابعة من الخارج (او من المؤسسات التى تمثل رأس المال متعدد الجنسيات)؛ فهل على سبيل المثال القطاع الخاص فى مصر مؤهل وراغب فى ان يتولى (حصرا) مهمة تحلية مياه الشرب وانشاء الموانىء وزراعة الغابات الشجرية؟!، وهل القطاع الخاص فى مصر والذى يتميز بالنزعة الريعية المبتعدة عن التصنيع قادر على تولى مهمة الاستثمار الصناعى بشكل حصرى فى اغلب القطاعات الصناعية؟!، هل حقا القطاع الخاص اكثر كفاءة من قطاع ملكية الدولة؟ هل توجد شواهد على ذلك بعيدا عن الإهلاك المتعمد لشركات القطاع العام الذى يهدف الى خصخصتها والايديولوجيا النيوليبرالية التى تبرر ذلك؟ ماذا عن نجاح شركات القوات المسلحة فى العديد من الأنشطة الاقتصادية ونجاح شركات الادوية فى قطاع الاعمال على سبيل المثال لا الحصر؟.
ومن الامثلة الاخرى على الرؤي المستوردة من المؤسسات الدولية رؤية ان معدل النمو يمكن استخدامه كمؤشر على تقدم الاقتصاد والمجتمع، فمن الممكن مثلا ان يرتفع معدل النمو مع انخفاض مستوى المعيشة ومعدل الاجر الحقيقى وهذا حدث بالفعل في مصر. وايضا يجدر الاشارة الى ثقة الوثيقة فى قدرة القطاع الخاص على تحسين المستوى المعيشى للناس من خلال تقديم سلع باسعار تنافسية، ان تلك الرؤية مثالية الى حد كبير لان القطاع الخاص عموما هادف للربح وبالتالى فان اى شركة مثلا تضع حد ادنى لارباحها لن تستطيع التنازل عنه ولو استطاعت رفع الاسعار ستفعل ذلك باتفاق ضمنى مع باقى الشركات وبالتالى فان المستهلك سيقع فريسة للقطاع الخاص ولن يضبط الامور الا وجود قطاع اخر يقبل بمعدل ربح متواضع نسبيا وهو اقتصاد الدولة ولكن من الواضح ان الوثيقة تتبنى رؤية تقول ان تواجد الدولة يعتبر تهديدا لمبدأ التنافسية المثالية. وفى الواقع توجد شواهد فى الوثيقة تثبت ان اعادة تعيين الاصول من اهدافه تعظيم ربح القطاع الخاص صراحةً كالتأكيد على ان مشاريع الشراكة التى سيقوم بها صندوق مصر السيادى سيكون لها عائد داخلى جاذب للاستثمار يتراوح بين 30% و40%، وهذا عائد ضخم للغاية سيتحمل تكلفته المستهلك.
من الاعتبارات التى لم يُلتفت اليها هو التفرقة بين القطاع الخاص الوطنى والقطاع الخاص الاجنبى (متعدد الجنسيات) وتم التعامل مع القطاع الخاص ككتلة واحدة منسجمة المصالح. ولكن من خلال تحليلنا للوثيقة فمن الواضح ان التمكين سيكون فى نصيب رأس المال الاجنبى، يتضح ذلك من خلال الاشارة الى تشجيع الاستثمارات الاجنبية وخصوصا عبر صندوق مصر السيادى وكون ذلك التشجيع جزء من شروط صندوق النقد.
يجب الاشارة هنا الى مدى الاستغلال الذى تقوم به الشركات متعددة الجنسيات فى العالم الثالث فهى مبدأيا تعمل في بيئة اقتصادية ما بعد تخفيض قيمة العملة (نتيجة تحرير سعر الصرف) وذلك فى العموم يؤدى الى زيادة سعر الواردات وانخفاض سعر الصادرات، بهذا عندما تستورد شركة اجنبية فى العالم الثالث من شركتها الام فى الغرب فهى تزيد من ارباح الشركة الام وعندما تصدر لها تخفف من عليها التكلفة. وغير ذلك يوجد الكثير من التلاعب فى عمليات الشراء والبيع. النقطة الثانية هى ان الشركات متعددة الجنسيات تمنع مشاركة التكنولوجيا مع الدول وبالتالى مهما كان تقدم التكنولوجيا المستخدمة هذا لن يصب فى مصلحة الاقتصاد الوطنى لان الشركات متعددة الجنسيات يمكنها ان تنقل نشاطها اذ ما تأثر معدل ربحها.
سنحاول الان تركيز الضوء على مشكلات تفصيلية فى الوثيقة حسب التوجهات الثلاثة.
فى التوجه الاول نجد ان الدولة تنوى الانسحاب التام من قطاع التشييد والبناء سواء بناء وحدات سكنية او منشئات تجارية ولكن تستثنى الوثيقة قطاع الاسكان الاجتماعى تحت المتوسط، ولكن نحن نرى ان الفئات المتوسطة وخصوصا من الشباب تحتاج الى دعم الدولة لايجاد سكن مناسب لها وخاصة فى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الدخول الحقيقية حيث ان القطاع الخاص الهادف للربح لن يقدم التسهيلات التى تقدمها الدولة للشباب.
وتنوى الدولة ان تنسحب من الصناعات الهندسية كالالات والمعدات والالكترونيات وهذا سيمثل خطرا كبيرا على مستقبل تطور الصناعة والتكنولوجيا فى مصر حيث ان القطاع الخاص الوطنى غير مهىء ليقوم بتصنيع المعدات والالكترونيات لانه يميل الى الربح الريعى السريع وتلك الصناعات تحتاج الى رأس مال ضخم ومركز بشكل كبير وبالتالى هذا سيفتح الباب امام احتكار راس المال الاجنبى لذلك المجال.
بالنسبة للتوجه الثانى فان الدولة تنوى الانسحاب التدريجى عبر تخفيض الاستثمارات من التعليم ما قبل الابتدائى (الروضة) وهذا كفيل بان يرفع من مصاريف الاسر بشكل كبير فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها بسبب ارتفاع مصاريف المدارس الخاصة ووضعهم لشروط تعسفية لقبول الاطفال هناك وارتفاع اسعار الحضانات وبالتالى سيلجىء الاهل الى الاستعانة بالجدة والجد لترك الاطفال اثناء فترة العمل الصباحية ولكن هذا بالطبع سيؤثر على القدرات الاجتماعية والتفاعلية لدى الاطفال مما سيجعلهم غير مؤهلين بالدرجة الكافية فى المرحلة الابتدائية مقارنة بزملائهم الذين ارتادوا الحضانات او الروضة. وفى حالة وفاة الجدة والجد او عدم قدرتهم على رعاية الاطفال فان الام فى الاغلب ستضطر الاستقالة من العمل حتى يصل الاطفال الى المرحلة الابتدائية مما سيؤدى الى خفض مستوى دخل الاسرة.
وبالنسبة للانسحاب التدريجى من قطاع المياه والصرف والتعدين واستغلال المحاجر فان ذلك بدوره يمكن ان يؤدي الى نشأة ظاهرة العقود الاحتكارية طويلة الأجل.
وتنوى الدولة تخفيض استثمارها فى قطاع الانترنت والسؤال هنا هل القطاع خاص يدير قطاع الاتصالات والانترنت بكفاءة حتى يكون من حقه ان يأخذ نصيبا اكبر ؟!، ان سعر الدقيقة فى مصر من اعلى الاسعار عالميا وعلى الرغم من ذلك فان جودة الاتصال سيئة للغاية ونفس الامر ينطبق على الانترنت بغض النظر عن تذرع القطاع الخاص بضعف البنية التحتية حيث ان البنية التحتية قادرة على توفير انترنت مجانى ولكن القطاع الخاص لن يقوم بذلك للحفاظ على ارباحه الفاحشة.
ومن القطاعات الهامة التى تنوى الدولة ان تخفض استثمارها فيه هو قطاع الطاقة الجديدة فى الصناعات الهندسية كاستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتشغيل المصانع والسؤال هنا هل القطاع الخاص الوطنى قادر على الاستثمار فى هذا المجال ام سيتم تركه لاحتكار الشركات متعددة الجنسيات؟
وفى التوجه الثالث (تثبيت مع زيادة) كل اعتراضنا ان المجالات التى تنوى الدولة زيادة الاستثمار فيها محدودة وخصوصا المجال الصناعى عموما واحتفظت الدولة لنفسها بالمجالات السيادية كقناة السويس والسكة الحديد ومترو الانفاق والطيران والتعليم والإذاعة والتلفزيون. ولكن المثير للاهتمام هنا ان الوثيقة تضع بين قوسين الاتى: "مع السماح بمشاركة القطاع الخاص" بدون ان تحدد مدى تلك المشاركة ولا القطاعات التى ستتم المشاركة فيها. وما يزيد من الامر حيرة هو ان التوجه الثالث لم يقر بأن الدولة سيكون لها النصيب الاكبر فى تلك القطاعات بل فقط ستزيد من استثماراتها، هذا يمكن ان يؤدى الى امتلاك القطاع الخاص للنصيب الاكبر من تلك المجالات الواقعة تحت التوجه الثالث حتى مع زيادة استثمارات الدولة فيها حيث انه لا يوجد حديث واضح بشأن حصة كل قطاع من الاستثمار فى مجالات ذلك التوجه.
ثم ننطلق الى نقطة هامة تتعلق بنية الدولة مشاركة القطاع الخاص فى تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة، وبالطبع من المفهوم ان القطاع الخاص هنا يشمل بشكل شبه حصري الشركات متعددة الجنسيات. وتلك المحاولات ليست بجديدة ففى الستينيات والسبعينيات كانت تتم المحاولات فى العالم الثالث تحت مسمى "نقل التكنولوجيا" ولكنها لم تجدى نفعا فى تطوير البنية الصناعية للبلدان النامية واخراجها من دائرة التبعية والتخلف بل زاد الامر سوءا بسبب ان تلك البلدان (حتى الان) لا تمتلك قاعدة بحث علمى وطنى يدعم التطبيق الداخلى للتكنولوجيا ولذلك تم الاعتماد على الخبرات الاجنبية فى الاغلب، وبالاضافة الى ذلك نجد ان نقل التكنولوجيا ينطوى فى كثير من الاحيان على ارسال الات مجهزة او روبوتات جاهزة للعمل (فى حالة الذكاء الاصطناعى) بقطع غيارها وكل مشتملاتها وبالتالى لا يعتبر هذا نقلا للتكنولوجيا بل مجرد نقل لمنتجاتها لان النقل لم يحتوى على نقل العلم والنظريات والمخططات التى ساهمت فى انتاج التكنولوجيا.
النقطة الاخيرة هى ان الوثيقة تؤكد على ان تبنى تقنيات الثورة الصناعية الرابعة سوف يزيد مكاسب الاقتصاد المصرى بنسبة 43 مليار دولار عام 2030 ولم توضح الوثيقة كيفية حدوث ذلك ولكن يمكننا القول ان المكاسب ستنبع فى الاغلب من ان تلك التقنيات كثيفة رأس المال اى انها لا تحتاج الى كثير من العمالة وبالتالى سيتم توفير اجور العمال والموظفين. والنقطة هنا ان ذلك كفيل بأن يزيد من معدل البطالة والفقر وبالتالى يؤدى ذلك الى عدم استقرار اجتماعى.
مقترحات لتحسين سياسة ملكية الدولة:
1. اعداد وثيقة بناء على رؤية وطنية مرتبطة بتجربة مصر فى ادارة قطاع ملكية الدولة (بإيجابياتها وسلبياتها) واعادة تقييم دور القطاع الخاص المصرى وعدم نسب صفات هلامية له لا يؤكدها الواقع وبالتالى عدم الاعتماد على رؤية المؤسسات الدولية الغربية.
2. استخدام مؤشرات اكثر دقة لقياس التقدم فى مصر كمستوى المعيشة والاجور الحقيقية.
3. وضع خطة دقيقة للاستفادة من الاستثمار الاجنبى وتجنب بقدر الامكان اضراره وعدم تقديم تنازلات لاجتذابه.
4. رفض طرح شركات القوات المسلحة فى البورصة حتى لا يؤدى ذلك الى خصخصة ذلك القطاع.
5. ازالة التوجه الخاص بتخارج الدولة التام خلال 3 سنوات حيث ان ذلك كفيل بان يشيع الفوضى فى القطاع الصناعى المصرى. وان لزم الامر يمكن نقل بعض المجالات الى التوجه الثانى مثلا كخدمات الاقامة والغذاء وتجارة التجزئة والتشييد والبناء.
6. بالنسبة الى التوجه الثانى يجب وضع حد ادنى لتخفيض الاستثمارات الحكومية وحد اقصى لمشاركة القطاع الخاص، ويجب زيادة الدولة لاستثمارتها فى التعليم ما قبل الابتدائى.
7. فى التوجه الثالث يجب توضيح مدى السماح بمشاركة القطاع الخاص وفى اى من المجالات ويجب الاقرار بان الدولة سيكون لها النصيب الاكبر من تلك المجالات. ويجب ضم فى ذلك التوجه الصناعات الهندسية وخصوصا الالكترونيات والمعدات والالات و انتاج الحديد والصلب والفحم وانشطة المياه والصرف وبالطبع التعدين واستغلال المحاجر والقطاع الكهرباء والانترنت والاتصالات والطاقة الجديدة.
8. تبنى نموذج مستدام لاستدخال التكنولوجيا يتمثل فى مراعاة الظروف الداخلية كعدد السكان واحتياجاتهم ومن ذلك المنطلق يمكن ان تستقبل البلاد التكنولوجيا بشكل تدريجى يتماشى مع معدل تطور المجتمع المصرى فى حل مشكلاته كمشكلة زيادة معدل المواليد وبالتالى يمكن استخدام خليط من الصناعات كثيفة العمال والصناعات كثيفة رأس المال لتقليل معدل البطالة من جهة والحفاظ على التطور التكنولوجى من جهة اخرى.
9. نرفض بشكل قاطع فكرة طرح الشركة القابضة للموانئ المزمع انشاءها فى البورصة، حيث ان تلك تعتبر مسألة امن قومى بالنسبة لمصر فلا يجوز ان يتضمن اعضاء مجلس الادارة مستثمرين اجانب او حتى مستثمرين محليين.
10. نؤكد على ان الخصخصة ليست حلا لمشاكل انخفاض الكفاءة والربحية فى الشركات المملوكة للدولة، والحل الامثل هو اصلاح الشركات من الداخل وتغيير هيكلها الادارى لجعلها اكثر توجها للربح وتحقيق النتائج وتزويد موظفيها بالتدريبات اللازمة لرفع الكفاءة. حيث ان القطاع الخاص الذى يشترى الشركات يقوم بتلك الاصلاحات وبالتالى تُضيع الدولة على نفسها فرصة اصلاح شركاتها وزيادة ارباحها وتقدم الفرصة للقطاع الخاص على طبق من ذهب.
11. نرفض ايضا خصخصة الشركات المملوكة للدولة والتى كانت تدر ربحا فيما سبق كالشركة الوطنية لانتاج وتوزيع المواد البترولية (وطنية) وهى شركة تابعة للقوات المسلحة وبالطبع قلعة الحديد والصلب وشركات الاسمنت والاسمدة وشركة النصر لانتاج الفحم والكوك. ان تلك الشركات كانت تدر ارباحا كبيرة؛ فشركة الكوك حققت مكاسب 114 مليون جنيه مؤخرا. وبهذا قضت الحكومة والوزير هشام توفيق (وزير قطاع العام) على قلاع صناعية كان يمكنها بعد التطوير ان تزيد من حماية الاقتصاد المصري من الازمات والتقلبات.
12. لم تذكر الوثيقة اى شىء بشأن قطاع التعاونيات، وبالتالى من المهم وضع خطة لاصلاح التعاونيات فى مجال الزراعة وتنميتها وايضا تشجيع التعاونيات فى مجال الشركات الصناعية، حيث ان ذلك القطاع اثبت قدرته فى كثير من الدول النامية على التوزيع العادل للارباح ودعم الموظفين والعمال العاملين فيه.
13. واخيرا تبنى استراتيجية تنموية تهدف الى التصنيع بكافة مستوياته والتركيز على انتاج ما يحتاجه الشعب المصرى وتوجيه الاقتصاد نحو تحقيق الاهداف القومية كرفع مستوى المعيشة. وعدم الاعتماد بشكل اساسى على الاقتراض من الخارج وخصوصا من المؤسسات الدولية الغربية وان لزم الامر يمكن اللجوء للبنوك الصينية والآسيوية والافريقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراسة عن ذوى الإعاقة (المشكلات والحل)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــــــــــــــــــــــــــــ يوسف مسعد
قضية ذوى الإعاقة او كما يقال متحدى الإعاقة لذو شجون تحمل في طياتها العديد من المواضيع الشائكة والتي لا تخص المعاق وحده بل أيضاً تخص أسرته الصغيرة والمجتمع المحلى ثم الحكومة ودورها فى محاوله دمج ذوى الإعاقة والاستفادة من طاقتهم الكبيرة حتى يصبحوا ترس في عجله الانتاج .
ومن هذه المقدمة البسيطة نستعرض القضية بجوانبها المختلفة ومحاوله طرح وجهة نظرنا لحل المشكلات الثى تواجه ذوى الإعاقة على أرض الواقع.
الفرق بين ذوى الإعاقة ومتحدى الإعاقة
..............................................
ذوى الإعاقة هو من لديه قصور أو عله وظيفيه في إحدى أعضائه
أي أن الإعاقة قد تكون جسديه أو حركيه بكافه انواعها الشديدة أو المتوسطة أو البسيطة والإعاقة قد تكون فقد حاسة مثل الإعاقة البصرية الشديدة وهى الفقد الكلى للبصر أو العينين أو عين واحده او ضعيف البصر ، والإعاقة السمعية وهى عدم القدرة على السمع وتتقسم مثل السابقة في الشده .
الى جانب "قصار القامه" هذه الفئه التي انصفها القانون بإدراجهم ضمن ذوى الإعاقة .
ثم نجد مرضى القلب لدرجات معينه وايضا مرضى الدم وضمور العضلات . كل هذا يعتبر من الاعاقات المختلفة التي تم إدراجها في قانون الأشخاص لذوى الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 .
ولعل البدايات كانت رفض فكره مبدأ رعاية وزارة التضامن الاجتماعي لذوى الإعاقة ، إلى فكره "الحقوق والمساواة وعدم التمييز" التي كفلتها لهم الاتفاقيات والمواثيق الدولية مثل اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وهي معاهدة دولية لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة تهدف إلى حماية حقوق وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة. تلزم الأطراف في الاتفاقية تعزيز وحماية وضمان التمتع الكامل بحقوق الإنسان للأشخاص ذوي الإعاقة وضمان تمتعهم بالمساواة الكاملة بموجب قانون. ذوي الإعاقة . وقد وقعت مصر على هذه الاتفاقية وأصبحت ملزمه بتطبيقها وإصدار القوانين الخاصة بهذا الأمر . وبعد مرور أعوام صدر قرار بتأسيس المجلس القومي للأشخاص ذوى الإعاقة والذى كان من المفترض أن يكون حيادي ومتابع لتنفيذ الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوى الإعاقة في مصر وايضا مكان موحد يلجأ له ذوى الإعاقة لتلبيه احتياجاتهم من الوزارات المختلفة ، ولكنه للأسف سفه دور المجلس من بداية إصداره بقرار .. إلى أن صدر له قانون وأعطى تبعيته للدولة ولكن دون رقيب فأصبح مجرد موظفين كل همهم الحصول على رواتبهم وليس خدمه القضية أو أصحاب القضية ومع تغير الدستور وتلبيته لتمثيل ذوى الإعاقة في المجلس النيابي "مجلس النواب" تم تمثيل ولأول مره ذوى الإعاقة في مجلس النواب ولكنهم ليسوا مستقلين لظروف عديده وأصبحوا يتبعون الأحزاب والتكتلات التي لا تهتم اصلا بذوي الإعاقة ولكن كل همها هو الحصول على الأغلبية المطلقة .
وتم إصدار قانون 10 لسنة 2018 للأشخاص ذوى الإعاقة والتي نص في مواده على الحقوق التي يجب أن يحصل عليها كل معاق كبداية لحياته الكريمة التي ينشدها كل معاق فمثلا نص على ضرورة حصوله على بطاقه الخدمات المتكاملة والتي الحصول عليها اجراء كشف طبى ووظيفي وللأسف كل هذا يتم اعاقته بسبب الفساد الواضح والمستشري في مكاتب التأهيل المهني والتي هي النافذة الاولى لخدمه ذوى الإعاقة ولكن لان تبعيتها هي للجمعيات الأهلية التي تستغل ذوى الإعاقة تحت سمع وبصر وزارة التضامن الاجتماعي ، ورغم مناداتنا كثيراً بأن تكون مكاتب التأهيل المهني تابعة لوزارة التضامن مباشره وليس مجرد مراقبه فقط إلا أن الوزارة تجد أن تبعيتها للجمعيات خير لها طالما أنها تقدم الولاء والطاعة لها .
ومع صدور كود الإتاحة المصري المواكب لصدور قانون ذوى الإعاقة وشرح بكل وضوح كل ما يهم ذوى الإعاقة والإتاحة لهم حتى يستطيعوا التنقل الآمن في المواصلات المختلفة وعبور الطريق ..الخ من المهام التي حددها لخدمه ذوى الاعاقات المختلفة النوع .. لكن وللأسف نجد التجاهل المتعمد من المحليات في تنفيذ كود الإتاحة سواء في الطرق أو المواصلات أو الوسائل المساعدة لذوى الإعاقة حتى يستطيعوا الخروج بمفردهم لعملهم او لقضاء حاجتهم الخاصة حتى يكونوا ترس نافع في عجله الانتاج كما ذكرنا.. ومع مرور الأيام نجد العراقيل التي توضع لذوى الإعاقة لحصولهم على بطاقه الخدمات المتكاملة والتي كما ذكرت سابقا أنها المفتاح السحري لحصول ذوى الإعاقة على حقه في كل شيء مثل المواصلات أو المعاش الخ من الحقوق الثى نص عليها القانون هذه العراقيل للأسف تضعها دائماً وزارة التضامن الاجتماعي الى جانب وزارة الصحة مثل الكشف الطبي الغير مبرر والباهظ الاسعار والذى يستغرق لعمله أيضا في مستشفى حكومي ما يقارب العام ناهيك عن الآلام الجسمانية والنفسية والأخطار الذى يتعرض لها المعاق بشكل عام والمعاق الحركي بشكل خاص من كثرة ترددهم على المستشفيات .
ونحن في هذا السياق نذكر ما حدث مؤخرا من تحديث بطاقات التموين والتي كانت معضله ولكن عندما تريد الوزارة تسهيل الاشياء تفعل المستحيل فكان التحديث عن طريق موقع على الانترنت للملايين من المستفيدين .. ولان وزارة التضامن تصر على تصدير المعاناة للمعاقين ترفض ان تفعل ما فعلته وزارة التموين وتصر على اعاقة خدمة المعاقين ، فنجد الروتين والأشياء الغريبة مثل ما نشاهده في تقديم الطلبات واجراء الكشوف الطبية للحصول على بطاقه الخدمات المتكاملة ، رغم أن العدد المستفيد من بطاقه التموين يفوق عدد ذوى الإعاقة بكثير .
ومع اعترافنا بالتقدم النسبي قليلاً في قضيه ذوى الإعاقة ولكننا نجد ونلاحظ أن الوزارات المختلفة ليست على نفس التوجهات الرئاسية التي تهتم بذوي الإعاقة وتضعهم في أولويات اهتماماتها منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي سدة الحكم ولكن للأسف نجد الوزرات تعمل على نفس النهج القديم (نهج ما قبل الثورتين) وتتعمد تهميش ذوى الإعاقة وتبعيض طلباتهم وحقوقهم بل انها ايضا تقوم بتبعيض عددهم حتى لا تعترف بعددهم الفعلي المتزايد عن ما يعلنونه ولا تلبي احتياجاتهم الكثيرة والمهمة والتي بتحقيقها يعيش ذوى الاعاقة الحياة الكريمة التي ينشدها مع مراعاة لظروفهم الصحية ومرضهم وما يستوجب كل حاله بالتعامل المختلف عن الحالة الأخرى
والحل ليس صعبا كما يراه الكثير من الوزراء ولكنه يتلخص في عدة بنود نوجزها فيما يلى :
1 – اعاده تأهيل جميع العاملين الذى لهم علاقه بخدمه ذوى الإعاقة بداية من مكاتب التأهيل المهني إلى أعلى منصب في الوزارة
2- تسهيل الحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة باعتماد مستشفيات غير حكومية موثوق بها مثل مستشفيات القوات المسلحة أو الشرطة حتى يحصل ذوى الإعاقة على بطاقته في وقت وجيز أو تغيرها
3- تفعيل قانون كود الإتاحة في المواصلات والطرق والمنشآت العامة والخاصة وكافة المصالح التي يحتاجها ذوى الإعاقة
4- اعاده هيكله وتشكيل المجلس القومي لذوى الإعاقة ليديره أصحاب الشأن وليس المنتفعين وان يكون تابع لرئاسة الجمهورية ويكون رأيه إجباري ويقوم المجلس بمراقبة الحكومة والعمل على تنفيذ مواد القانون والدستور والاتفاقية الدولية للأشخاص ذوى الإعاقة وان يكون عمل المجلس القومي هو خدمه ذوى الإعاقة وليس اعاقتهم .. وان يكون له مكاتب في كافة محافظات ومدن مصر لتسهيل لقاءات أصحاب الاعاقات (اصحاب الشأن ) بهم
5- التأكيد على تنفيذ القانون من جانب المحافظين ورؤساء المدن كلا في موقعه والتأكيد على تنفيذ القانون من جانب الوزرات المختلفة كلا فيما يختص به
6- التأكيد على تصنيع المساعدات الطبية بتصنيع محلى رخيص السعر لذوى الإعاقة باختلاف اعاقتهم من حركي إلى بصري أو فقد السمع وان تساهم الدولة فى هذا المشروع بداية من مشاريع الكليات إلى إنشاء المصانع المتخصصة لهذا الغرض وان يساهم الصندوق الخاص بذوي الإعاقة بتخفيف العبء عن كاهل ذوى الإعاقة
7- مبادرة الدولة في المعايشة مع ذوى الإعاقة ودمج ذوى الإعاقة داخل المجتمع وتكثيف البرامج الثى تدعوا الى هذا الأمر المهم .
8- الوزير المهتم بذوي الإعاقة هذا القول يحمل الكثير من الخطأ مع التجربة الفعلية فنرجو ان نجد وزير من ذوى الإعاقة (أصحاب الشأن) حتى يبدأ الحل الفعلي على أرض الواقع من قبل الوزارات المختلفة .
واخيرا وليس آخراً أن موضوع ذوى الإعاقة وحصولهم على حقوقهم هو في غايه الأهمية ، فالمجتمع الذى لا يعطى ذوى الإعاقة حقه ويقدره فهو ليس مجتمع متحضر فنرجو ان نكون على قدر التحضر القديم والحديث
........................................... يوسف مسعد يوسف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رؤية الحزب الشيوعي المصري للمطالب العاجلة بشأن العدالة الاجتماعية ــــ حسن بدوي عضو المكتب السياسي ااحزب الشيوعي المصري
العدالة الاجتماعية، ذلك المطلب الذي هتفت به الملايين في ثورة 25 يناير 2011، لا يمكن تجاهله أو استبداله بإجراءات الحماية الاجتماعية، فشتان الفارق بينهما.
ليس فقط لأن العدالة الاجتماعية هي حلم الطبقات الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، في مصر وفي كل مكان في العالم، والذي ظلت تناضل من أجله حتى صارت نصوصاً في اتفاقيات دولية ملزمة لكل الدول التي وقعت عليها، ومن بينها مصر، وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولكن أيضاً لأن العدالة الاجتماعية هي سياسة تقرها قوانين تضمن الحقوق الواردة في الاتفاقيات الدولية والدستور المصري، وتضمن حياة إنسانية كريمة للكادحين من العمال والفلاحين الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى وأصحاب المعاشات، بل وللعاطلين أيضاً، وليست الحماية الاجتماعية التي تتضمن بعض المساعدات الهزيلة لقطاع محدود من الفئات الهامشية، والتي تروج لها الرأسمالية العالمية عبر مؤسساتها المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وذلك في إطار ما تفرضه من أجندات وسياسات وتشريعات اقتصادية ومالية نيو ليبرالية، لا تفيد سوى الطبقات التابعة لها في البلدان النامية والفقيرة لتكريس هيمنة رأس المال العالمي على تلك البلدان ونهب ثرواتها.
مطالب عاجلة في العناصر الرئيسية للعدالة الاجتماعية:
1- الأجور وعلاقات العمل:
الأجور أهم عناصر علاقات العمل، التي هي بدورها إحدى مكونات العدالة الاجتماعية، ورغم الزيادة المحدودة في الأجور والمعاشات في موازنة العام 2022 - 2023 إلا أن الأجور انخفضت إلى 4,4? من إجمالي الناتج المحلي، فضلاً عن انخفاض القيمة الشرائية للأجور أصلاً بسبب تعويم العملة وارتفاع قيمة الدولار من سبعة جنيهات عام 2016 إلى 17 جنيهاً الآن،.ويتواكب مع ذلك انفلات أسعار السلع والخدمات بسبب عدم ضبط الأسواق وانسحاب الدولة من الرقابة على أسعار السلع وجودتها.
ورغم أن الحكومة قررت مؤخراً بتوجيهات رئاسية الحد الأدنى للأجور بما قيمته ألفان وأربعمائة (2400) جنيه شهرياً، غير أن ذلك قد انطوى على ما يلي من الإشكاليات:
• أن التوافق على الحد الأدنى للأجور رغم أنه قد عُد إنجازاً -كونه يحدث للمرة الأولى- إلا أنه قد تم فيما يشبه المقايضة حيث ترافق مع خفض العلاوة الدورية إلى (3?) من الأجر التأميني، بدلاً من 7? من الأجر الأساسي، على خلاف ما ينص عليه قانون العمل الحالي، وهو ما استتبع تقدم الحكومة بتعديل لمشروع قانون العمل المقدم منها لخفض العلاوة الدورية، حيث يرفض عمال القطاع الخاص هذا التعديل.
• أن قرار المجلس القومي للأجور بالحد الأدنى للأجور فد تضمن حق أصحاب العمل في التقدم بطلب استثناء منشآتهم من تطبيق الحد الأدنى للأجور إذا كانت أوضاعهم الاقتصادية لا تحتمل تطبيقه ، مما ترتب عليه استثناء أكثر من ثلاثة آلاف منشأة من تطبيق الحد الأدنى للأجور شملت على الأخص المنشآت كثيفة العمالة، والمنشآت المُصدرة لمنتجاتها.
• إن قرارات الحد الأدنى للأجور والعلاوات السنوية منذ منتصف السبعينات لا يتم تطبيقها في الأغلبية الساحقة من مواقع القطاع الخاص، بل إن أغلب شركات قطاع الأعمال العام في السنوات السبع الماضية لا تلتزم بتطبيقها استناداً إلى تعليمات الشركات القابضة التي تشير إلى التنفيذ طبقاً للأوضاع الاقتصادية لكل شركة، لتفتح الباب لتهرب الشركات من التنفيذ، ويصبح الأمر مرهوناً بإضرابات العمال، والتي تضع الحكومة قيوداً تشريعية على ممارسة العمال لهذا الحق الدستوري والمكفول أيضاً في الاتفاقيات الدولية، كما تضع قيوداً على حق العمال في تشكيل نقاباتهم بحرية حتى تكون قادرة على التفاوض الجماعي باسمهم وتنظيم إضراباتهم عن العمل.
لذلك فإن المطالب العاجلة الخاصة بالأجور هي:
أ- أن يتضمن قانون العمل المزمع إصداره تحديد الحد الأدنى للأجور سنوياً ويكون ملزماً في كافة قطاعات العمل، على أن يكون كافياً للوفاء بمتطلبات المعيشة الأساسية للعامل وأسرته، يتناسب مع زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويعاد النظر فيه بما يتلاءم مع الزيادات في الأسعار، وتفعيل دو المجلس الأعلى للأجور، الذي يحدد النسبة الواجبة لزيادة الأجور سنوياً طبقاً لأسعار سلة السلع والخدمات الأساسية، وأن يمثل فيه كافة قطاعات العمال، وليس فقط اتحاد نقابات العمال الذي لا يضم سوى عضوية إجبارية نسبتها لا تزيد على 10? من القوى العاملة.
ب- أن يكفل القانون للعامل الأمان الوظيفي والأجر الذي يكفل له ولأسرته احتياجاتهم الأساسية، وحقهم في علاوة دورية سنوية لا تقل عن 7? من أجرهم الشامل.
ج- وقف استخدام أصحاب العمل للعاملين بعقود مؤقتة في الوظائف الدائمة بطبيعتها.. والنص في القانون على عدم جواز إبرام عقد العمل لمدة محددة إلا في حالة القيام بأعمال مؤقتة أو عرضية أو موسمية، كما نرفض إفراد نصوص قانونية لتنظيم إنهاء علاقة العمل من جانب صاحب العمل والعامل خلافاً للنصوص التي تنظم أحكام الفصل والاستقالة.
د- إلغاء القيود والشروط التعجيزية التي يضعها قانون العمل الحالي ومشروع القانون المقدم من الحكومة على ممارسة حق الإضراب رغم الإقرار بحق العمال فيه تماشياً مع الدستور، ونزولاً على الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من الحكومة المصرية.
هـ- إلغاء النصوص القانونية المعرقلة لحق العمال في إنشاء نقاباتهم بحرية، لأن هذا الحق يكفله الدستوري والاتفاقيات الدولية.
2- التأمينات الاجتماعية:
طبقاً للإحصاءات الرسمية، فإن قوة العمل المصرية تتضمن نحو 30 مليون مواطن/ منهم نحو 3 ملايين عاطل.
ويعمل في القطاع الخاص 8 ملايين عامل، منهم 34? غير مؤمن عليهم، وحتى المؤمن عليهم لا يقدم أصحاب العمل بيانات صحيحة عن أجرهم التأميني، وهذا ليس ادعاءً منا، بل هو اعتراف من رئيس الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية في تقريره المقدم للجنة مجلس الشيوخ عند مناقشتها مشروع قانون العمل الجديد، إزاء رغبتهم في تخفيض العلاوة السنوية من 7? من الأجر الأساسي إلى 3? من الأجر التأميني، رغم تقرير رئيس الهيئة الذي أكد تلاعب أصحاب العمل في بيانات الأجور التأمينية التي يقدمونها للهيئة.
وفي القطاع غير المنتظم يعمل أكثر من 13 مليون عامل منهم 90? غير مؤمن عليهم.
هذا عن غياب العدالة الاجتماعية في عدم التأمين على معظم العمالة، التي تضم نحو 26 مليوناً، وأسرهم ليكون غياب العدالة شاملاً نحو 78 مليون مواطن على الأقل.
لهذا فإن المطالب العاجلة الخاصة بالتأمينات الاجتماعية هي:
أ- توفير الحماية القانونية والاجتماعية للعمالة غير المنتظمة وعمال وعاملات المنازل، حيث أن قانون العمل الحالي ومشروع القانون المقدم من الحكومة لم يقدم لها شيئاً سوى بعض الإعانات التي يتم صرفها لعدد محدود جداً من العاملين، بينما تعجز الحكومات المتعاقبة عن تقديم حل للمشكلة الأهم في هذا الصدد.. وهي؛ كيف يمكن احتساب وتسجيل أيام العمل الفعلية التي يعملها العمال غير المنتظمون لدى أكثر من صاحب عمل واحد، لكي يمكن توفير الحماية القانونية، والمظلة التأمينية لهم.
ب- تعديل قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، لإلغاء النصوص التي تمثل إضراراً بالعاملين، بشأن حساب مدة الاشتراك التأميني، خاصة للعمالة غير المنتظمة، وغيها من النصوص، وإلغاء ما في القانون من تمييز صارخ بين فئات ذات مناصب عليا كالوزراء والمحافظين ونوابهم ووكلائهم وأعضاء مجلس النواب، وبين بقي المؤمن عليهم من ملايين العاملين.
ج- تفعيل النص الدستوري بإنشاء هيئة مستقلة لإدارة أموال التأمينات، يمثل في إدارتها اتحاد أصحاب المعاشات، تتولى إدارة واستثمار أموال أصحاب المعاشات التي تتجاوز 1300 مليار جنيه، بما يعد عليهم بالنفع وزيادة معاشاتهم وتحسين أحوالهم، بدلاً من إدارة هذه الأموال والتصرف فيها بواسطة هيئة تابعة للحكومة، رغم أن تلك الأموال مقتطعة من أجور العمال طوال سنوات عملهم للإنفاق عليهم عند الشيخوخة والتقاعد والمرض.
3- العدالة الضريبية:
يتسم نظام الضرائب في مصر بالتحيز ضد الكادحين والطبقة الوسطى، ويتساهل مع الأثرياء وللأنشطة الطفيلية والرأسمالية الأجنبية ويتمثل ذلك في مظاهر عديدة أهمها أن الشريحة العليا التي كانت ضريبتها 25? لمن يزيد دخله على 250 ألف جنيه تم إضافة شريحة أخرى لها ضريبتها 30? لمن يزيد دخله على المليون، ثم تم توحيد الشريحتين في ضريبة نسبتها 22,5? في عام 2015. علما بأن المعدل في الدول الرأسمالية المتقدمة والنامية والجاذبة للاستثمارات يتجاوز المستوى الراهن للضرائب على الثروات بكثير, فالشريحة العليا من الضريبة على الدخل في الدانمرك تبلغ 62? وفي السويد 57? وفي اليابان 50? وفي الصين (أكبر دولة جاذبة للاستثمارات) 45? وفي تركيا 35? وفي تايلاند 37? وهي 40? في كل من كوريا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا, وفي الولايات المتحدة الأمريكية 43?. وفي ألمانيا 45 ? وفي جنوب أفريقيا 40 ?.
ولهذا فإن المطالب العاجلة الخاصة بالعدالة الضريبية هي:
أ- رفع حد الإعفاء الضريبي إلى 36 ألف جنية في العام، لأن من يتقاضون أجوراً عند هذا الحد أو أقل يندرجون تحت خط الفقر أو الفقر المدقع، كما يجب إعفاء المشروعات التعاونية الصغيرة ومتناهية الصغر من الضرائب والرسوم - إلى حد معين من الدخل والأرباح, وأن يكون النظام الضريبي تصاعديا بالنسبة للأفراد والشركات بصورة متناسبة مع المقدرة التكليفية للممولين, وأن تفرض عقوبات صارمة على المتهربين باعتبار التهرب الضريبي جناية في حق المجتمع والدولة.
ب- الضريبة التصاعدية ليست فقط ضرورة لتمكين الدولة من مورد أساسي لدعم الإنفاق العام ولتحقيق استقرار اجتماعي ودرجة من درجات العدالة الاجتماعية، ولكنها أيضاً ضرورة حتى للنمو الرأسمالي (ولا نقول التنمية الشاملة فهذه قضية أخرى) فكلما كان النظام الضريبي أكثر عدلا وأقل تحميلاً على الفقراء كلما ساهم ذلك في زيادة الطلب الفعال على السلع والخدمات (هذا إلى جانب آلية لرفع أجورهم سنويا بما يعادل أو يفوق نسبة التضخم) وتلك الزيادة في الطلب الفعال تدفع بدورها إلى زيادة المشروعات والاستثمارات لتلبية ذلك الطلب مما يعني نموا إنتاجياً مستداما.
4- الحق في التعليم
من المؤكد أنه لا يمكن أن تحدث تنمية في أي بلد دون الاهتمام بأحد أهم أسسها، وهو التعليم والبحث العلمي، وأي محاولة لمعالجة سلبيات التعليم في مصر بطرح حلول حرفية أكاديمية لكل سلبية على حدة وبشكل منعزل عن رؤية شاملة للأزمة هي محاولة فاشلة، أو على أحسن تقدير ضعيفة الأثر فاقدة للجدوى الاقتصادية، "باهظة التكلفة ضعيفة النتائج"، والتعليم حق لكل مواطنة وكل مواطن، ولا يجب التعامل معه باعتباره خدمة يمكن تسليعها، أي تحويلها لسلعة، أو أحد مجالات الاستثمار الرأسمالي.
وبناء على ما سبق، فإن المطالب العاجلة الخاصة بالحق في التعليم هي:
أ- الإنفاق الحكومي على التعليم يجب أن يرتفع إلى النسبة المنصوص عليها في الدستور، وهي 6? من الناتج المحلي، وليس من المنطقي بعد 8 سنوات من إقرار الدستور، أن ينخفض الإنفاق الحكومي على التعليم من 2.2? من الناتج المحلي في العام المالي 2021 -2022 إلى 2? في موازنة 2022 – 2023، وذلك لتلبية احتياجات تطوير التعليم، وتوفير الأبنية المدرسية الكافية لحل مشكلة الكثافة الزائدة في الفصول من ناحية، ولتحسين أحوال المعلمين وأجورهم من ناحية أخرى.
ب- لا يمكن النهوض بالتعليم دون معلمين مؤهلين على أحدث أساليب التعليم وقادرين على تربية النشء بقيم الوطنية والديمقراطية والعقل النقدي والتفكير العلمي وحب العمل وعدم التمييز.
ج- النهوض بالتعليم الفني لا يمكن أن يتم في غيبة مشروع وطني للتنمية أساسه النهوض بالقطاعات الإنتاجية "صناعة وزراعة وتعدين وطاقة"، فالنهوض بتلك القطاعات سيفرض بالضرورة الاحتياج لتعليم وبحث علمي مواكب لها، وعندما تتوافر الحاجة تأتي الضرورة، وتتبقى الإرادة السياسية اللازمة لتلبيتها، وتحويل تلك الإرادة إلى تخطيط شامل من أعلى مستوى في الدولة إلى أدنى مستوى.
د- لابد أن يخضع التعليم في المؤسسات الدينية (باستثناء ما يتعلق بتدريس العلوم الدينية فقط) لرقابة لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس النواب، وليس للجنة الشئون الدينية "الإسلامية فعلياً"، وأن تشرف على كل مكوناته ومناهجه وزارتا التعليم والتعليم العالي وليس الأزهر أو الكنيسة أو أي مؤسسة دينية، كما لابد أن يخضع التعليم الدولي بكل مراحله لنفس الجهات والقوانين المصرية، التي يجب أن تتضمن وضع شروط لمؤسسات التعليم الخاص والأجنبي بأن تكون أهلية وغير هادفة للربح، كما يحدث في كل بلاد العالم الرأسمالي التي تريد الحفاظ على هوية أبنائها الوطنية.
5- الحق في الصحة والتأمين الصحي
الحق في الصحة حق إنساني، ولا يجوز التعامل مع الصحة باعتبارها خدمة يمكن تسليعها، أي تحويلها إلى سلعة تتحدد خدماتها بمعايير السوق، كما لا يجوز التعامل معها باعتبارها مجالاً للاستثمار مفتوحاً لهيمنة رأس المال المحلي الأجنبي، ومن هنا فإنه من الضروري تغيير السياسات والقوانين والقرارات التي تستهدف خصخصة المستشفيات الحكومية والجامعية والتأمين الصحي.
ولهذا فإن المطالب العاجلة الخاصة بالحق في الصحة والتأمين الصحي هي:
أ- اتباع سياسات مختلفة لزيادة قدرتنا الإنتاجية في مجال الصناعات الدوائية، وخاصة الخامات الدوائية، التي تم التفريط فيها وتصفيتها وتحجيمها طوال أكثر من 40 عاماً، فصرنا نستورد أكثر من 95? من احتياجاتنا الدوائية بعد أن كنا في عام 1970 لا نستورد أكثر من 5? من تلك الاحتياجات، بل ونصدر الأدوية ونرسل المعونات لدول أفريقيا والشرق الأوسط.
ب- تطوير المستشفيات الحكومية والجامعية في كافة أنحاء الجمهورية، وتزويدها بكافة المستلزمات العلاجية اللازمة من أجهزة وأدوية وبنوك دم وخلافه.
ج- زيادة الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة ليصل إلى الحد المنصوص عليه في الدستور (3? من الناتج المحلي) ثم إلى المتوسط العالمي (6? من الناتج المحلي)، والغريب أنه عقب إقرار الدستور في عام 2014 تعهدت الحكومة بالوصول إلى النسبة الدستورية بعد ثلاث سنوات، أي في 2017، إلا أن النسبة ظلت منذ ذلك العام وحتى موازنة 2022- 2023 ثابتة عند 1,4? فقط من الناتج المحلي سنوياً تخصص للإنفاق على الصحة.
د- تحسين أحوال الأطباء والعاملين بالتمريض وأجورهم وظروف عملهم، حتى لا تهرب الكوادر العاملة في هذا المجال إلى الخارج، كما يحدث الآن بكثرة.
هـ- توفير التأمين الصحي مجاناً ليشمل كل الأطفال حتى السن القانوني للعمل، مع دعم وتطوير مستشفيات القطاع. وإلزام أصحاب العمل بدفع اشتراك في التأمين الصحي ضعف حصة العامل أسوة باشتراكات التأمينات الاجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق